يعتبر تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان أحد أهم فروع القانون، حيث يهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع وتحديد الأعمال التي تعتبر جرائم وتستوجب عقوبات قانونية، ومنذ قديم الزمان كان هناك حاجة ماسة لتطبيق العدالة وإقامة نظام قضائي للتعامل مع المخالفين والمجرمين، فيعود تاريخ تطبيق القانون الجنائي إلى العصور القديمة، حيث كانت المجتمعات تعتمد على نظام قانوني لتحقيق العدالة وتثبيت النظام العام، في تلك الفترة كانت العقوبات تتخذ أشكالًا مختلفة، بما في ذلك العقوبات الجسدية والمالية والإعدام، وكانت تلك العقوبات تطبق بناءً على قوانين وتشريعات محددة تم وضعها لضمان تنفيذ العدالة.
تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان
مع مرور الزمن وتطور المجتمعات تغيرت طرق وأساليب تطبيق القانون الجنائي، فلقد ظهرت نظم قضائية مركزة، حيث تم إنشاء محاكم ومجالس قضائية للنظر في القضايا الجنائية واتخاذ القرارات القانونية المناسبة، كما تطورت القوانين والتشريعات لتواكب التحديات الجديدة التي يواجهها المجتمع، وفي العصر الحالي نجد أن هناك تحديات جديدة تواجه تطبيق القانون الجنائي، مثل جرائم الإنترنت والجرائم الإلكترونية والإرهاب الدولي، هذه التحديات تتطلب تعديلات وتحديثات في القوانين والتشريعات لمواجهتها بفعالية.
أما عن تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان فهو يعني أنه عندما يدخل قانون جديد حيز التنفيذ ليحل محل قانون سابق، يصبح القانون الجديد ساري المفعول اعتبارًا من تاريخ نفوذه، ويتوقف تطبيق القانون السابق فور إلغائه، وبالتالي يعتبر القانون الجديد والقانون القديم مستقلين عن بعضهما البعض، حيث يتشكل كل منهما في سياق وسجل قانوني محدد، وقد يؤدي تطبيق القانون إلى نشوب تنازع بينهما، حيث ما يلي:
- في حالة كتابة شخص لوصية تشمل نصف ثروته في زمن سمح له تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان بذلك، ثم صدر قانون جديد قبل وفاته ينص على أن الوصية يجب ألا تتجاوز ثلث الثروة، فبعد وفاته ستطرأ تساؤلات حول ما إذا كان للورثة الحق في تنفيذ الوصية داخل حدود ثلث الثروة أم أن الموصى به لديه الحق في المطالبة بنصيبه البالغ نصف الثروة؟
- إذا قام شخص بالاستيلاء على عقار أو ممتلكات الآخر لمدة عشر سنوات بهدف التملك، وسمح القانون في ذلك الوقت بالحصول على الملكية بعد مرور 15 سنة من بدء فترة الحصول على الملكية، ثم صدر قانون جديد يمدد الفترة إلى 20 سنة، في هذه الحالة، يطرح التساؤل هل يجب تطبيق القانون القديم (15 سنة) أم القانون الجديد (20 سنة)؟
- في حالة زواج شخص تحت قانون يسمح له بطلاق زوجته بمحض إرادته الوحيدة، ثم يصدر قانون جديد (قبل حدوث الطلاق) يمنع الرجل من طلاق زوجته إلا بقرار قضائي، في هذا السياق، يطرح التساؤل حول ما إذا كان للزوج الحق في طلاق زوجته بمحض إرادته الشخصية أم يجب أن يتم الطلاق بقرار قضائي؟
مبدأ عدم رجعيّة القوانين
- وهو يعني أن القانون الجديد لا ينطبق بشكل رجعي على الأحداث والوقائع التي وقعت قبل سريانه.
- يُعتبر القانون الجديد ساري المفعول فقط بدءًا من تاريخ تنفيذه، ولا يؤثر على الأحداث التي وقعت في الماضي.
- هذا المبدأ يعتبر مهمًا قانونيًا وقد تم تضمينه في تشريعات العديد من الدول، ويتم تبريره بعدة اعتبارات منها العدالة.
- يعتبر تطبيق القانون الجديد على الماضي ظالمًا وغير عادل، ومنطقيًا، حيث لا يمكن تطبيق القوانين على أفعال قد تمت قبل صدورها، وعمليًا، حيث يؤدي تطبيق القانون بأثر رجعي إلى فقدان الثقة في القانون وخلق اضطراب في المجتمع.
ومع ذلك، هناك استثناءات لهذا المبدأ عبر تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان حيث يُسمح بتطبيق القوانين غير الجزائية بأثر رجعي في بعض الحالات بناءً على مصلحة عامة محددة وبموافقة غالبية معينة، كما يُطبق القانون الأصلح للمتهم إذا صدر بعد ارتكاب الجريمة وقبل صدور الحكم النهائي بشأن القضية.
مبدأ الاستقرار العقاري
يشير المبدأ عند تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان إلى ضرورة استقرار العلاقات القانونية بين أفراد المجتمع، يهدف هذا المبدأ إلى ضمان أن تظل العقود والتعاقدات القانونية سارية المفعول وغير قابلة للتغيير بعد سريان القانون الجديد، ما لم يتضمن القانون الجديد أحكامًا خاصة تنص على غير ذلك، بهذه الطريقة، يُحافظ تطبيق مبدآن القانون فيما يتعلق بالزمان على استقرار العلاقات القانونية ويحمي الحقوق المكتسبة للأفراد، فهو يعتمد تفسير وتطبيق هذين المبدأين على النصوص التشريعية والتفسير القضائي، ويخضع للنقاش والتطور على مر الزمن.
من الجدير بالذكر أن تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان قد يختلف من دولة إلى أخرى ويعتمد على النظام القانوني الخاص بكل دولة، قد تكون هناك اختلافات في مفهوم عدم رجعية القوانين وكيفية تحقيق الاستقرار العقاري، لذا فإن الاستشارة بمحامٍ مختص يمكن أن توفر المشورة القانونية الدقيقة فيما يتعلق بتطبيق القانون في ظل التغيرات الزمنية في البلد الذي ينطبق عليه القانون.
مبدأ الأثر الفوري للقانون الجديد
وهو يشير إلى أن الأحكام الجديدة تنطبق على الأحداث والوقائع التي تحدث بعد تنفيذها، يعد هذا المبدأ مهمًا لمنع تضارب القوانين المطبقة على مراكز قانونية متماثلة ذات طبيعة واحدة، ويضمن وحدة القانون الذي ينظم هذه المراكز، بالإضافة إلى ذلك يستخدم مبدأ الأثر الفوري للقانون الجديد لتطبيق الأحكام الجديدة على القضايا الجارية التي تنشأ تحت تأثيره، حتى لو تم الحكم بشأنها بموجب قانون قديم، مثل قضايا الطلاق والزواج.
ومع ذلك هناك استثناءان رئيسيان لتطبيق مبدأ الأثر الفوري للقانون الجديد عند تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان حيث يُسمح بتطبيق القانون القديم على القضايا المتعلقة بآثار العقود التي تم تشكيلها بعد تنفيذ القانون الجديد بالكامل.
فتُعتبر هذه العقود التي تم تكوينها بموجب القانون القديم ولا تزال سارية المفعول، مستمرة في إنتاج تأثيراتها، بمعنى آخر، إذا صدر قانون جديد يقضي بتخفيض نسبة الفائدة المتفق عليها، فإن ذلك لا يؤثر على العقود التي تمت بموجب القانون القديم.