لقد خرج الذكاء الاصطناعي في العمارة Artificial Intelligence من مختبرات البحوث ومن صفحات روايات الخيال العلمي، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، إبتداءًا من مساعدتنا في الانتقال من مكان لأخر، وصولاً إلى استخدام مساعدين افتراضيين {الروبوتات} لمساعدتنا في أداء المهام المختلفة، حتى أصبح استخدامنا للذكاء الاصطناعي متأصل من أجل الصالح العام للمجتمع. 

في هذا المقال، نحن بصدد الحديث عن “الذكاء الاصطناعي” وعلاقته التي تبلورت خلال السنوات الأخيرة مع علم البناء والتشييد، والدور الذي يمثله لتطوير هذا المجال في المستقبل. 

ولكن قبل أن نتعمق في الحديث عن دور الذكاء الاصطناعي في العمارة، هيا بنا نتعرف على مفهوم الذكاء الاصناعي، وما هي خوارزميات الذكاء الاصطناعي؟!

مفهوم الذكاء الاصطناعي:

“الذكاء الاصطناعي” هو مصطلح يشمل كل التطبيقات التي تؤدي مهام مُعقدة كانت تتطلب في الماضي إدخالات بشرية، كما أن المبدأ الرئيسي للذكاء الاصطناعي هو أن يحاكي ويتخطَى الطريقة التي يستوعب ويتفاعل بها البشر مع العالم من حولهم، الأمر الذي جعله من الركائز الأساسية لتحقيق الابتكار والتطور السريع والشامل للبشرية. 

ثورة الذكاء الاصطناعي في عالم الهندسة والعمارة والإنشاءات [2025]

ما هي خوارزميات الذكاء الاصطناعي؟ 

عند التأمل في مصطلح “خوارزميات الذكاء الاصطناعي” نرى أنّه يتكون من شقين “خوارزميات”، “الذكاء الاصطناعي” وتُعرف “الخوارزمية” بأنّها مجموعة إرشادات منظمة تساعد الكمبيوتر في إجراء عملية حسابية، وتتيح للكمبيوتر معرفة ما يجب القيام به ومتى يقوم به. 

 أمّا تعريف “الذكاء الاصطناعي” فهو جزء من علوم الكمبيوتر يركز على تطوير أجهزة الكمبيوتر بهدف محاكاة الذكاء البشري، وفي الحقيقة هناك تفاوت في مستويات الذكاء الاصطناعي بين أجهزة الكمبيوتر، ومع ذلك فلا غنى للذكاء الاصطناعي عن الخوارزميات؛ لأنه بدونها لن يكون هناك مكان لبدء عملية البرمجة. 

الذكاء الاصطناعي في العمارة والبناء

يُعرف مصطلح الذكاء الاصطناعي في العمارة على أنه قدرة الآلات والحواسيب الرقمية – خلال الأنظمة والمعلومات – على القيام بعمل الإنسان كالعمليات الذهنية والتفكير والتعلم، من خلال إدخال مجموعة من البيانات لها وقيامها بتحليلها ومعالجتها، وقد دخل مفهوم الذكاء الاصطناعي في العمارة مطلع عام 2015. بقيام مجموعة من الباحثين والمطورين المختصين بالذكاء الاصطناعي (Artificial intelligence) بالعمل على تطوير تقنيات الحاسوب، التي سمحت للحواسيب بالتعرف على عناصر الصور بشكل تلقائي بإضافة الوصف الدقيق لكل صورة. 

وعند نجاح هذه التقنية لجأت مجموعة أخرى من المطورين بعكس التقنية، بحيث سعت لتطوير تقنية تعتمد على تحويل النصوص المكتوبة إلى صور وعرضها إلى جانب مجموعة من المقترحات بشكل تصاميم جديدة كليًا غير منسوخة.  

أي أن الذكاء الاصطناعي في العمارة (Artificial intelligence in architecture) حاليًا يقوم على عملية إدخال وصف بكلمات بسيطة ودقيقة كتابيًا للحصول على مخرجات من صور وتصاميم ومقترحات، اعتمادًا على الوصف الذي قام المصمم أو المهندس بإدخاله للحاسب. 

ثورة الذكاء الاصطناعي في عالم الهندسة والعمارة والإنشاءات [2025]

 ما هي إسهامات الذكاء الاصطناعي في العمارة؟

1- تعزيز عملية تصميم المشروع الهندسي:-

  • اتباع عمليات التصميم القديمة تعمل على إبطاء عملية البناء، ولكن يمكن للمعماريين استخدام الذكاء الاصطناعي في مرحلة التصميم للحصول على معلومات من بيانات البناء الحالية وبيانات المواد والبيانات التي تم جمعها من البيئة. 
  • كما أنها تساعد المصمم في مرحلة إعداد الفكرة التصميمية المعمارية (الكونسبت المعماري) من أجل رؤية الفضاء المعماري لاختبار إمكانات التصميم والأفكار ومدى مناسبتها واختيار الأفضل بينها. 
  • تسهيل وتسريع عمليات التخطيط والتصميم والتنفيذ، بأعلى جودة وأقل وقت وجهد. 

2- توفير الوقت والجهد:-

  •  يساهم مشروع الذكاء الاصطناعي في العمارة في توفير الجهد والوقت. إذ يعتمد على معالجة البيانات والمدخلات بسرعة فائقة تسمح بتوسيع القاعدة البصرية للمصممين، وتوفير العديد من التصاميم والمقترحات وطرق العرض، مقدِمة  الحلول المناسبة بأسرع ما يمكن. 
  • الحصول على بيانات تحليل ونمذجة سريعة ودقيقة. 
  • إعداد المقترحات والتعديل عليها بسهولة. 

3- جمع وتحليل البيانات من موقع العمل:-

  • يمكن إدخال عمليات المسح ثلاثية الأبعاد وغيرها من المعلومات ، والتي يتم خلالها  تصنيف التطورالذي يحدث في جوانب المشروع المختلفة، وتبسيط سير العمل. 
  • يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل كميات كبيرة من البيانات، بما في ذلك البيانات المناخية ورموز البناء وتكاليف البناء، مما يساعد المهندسين المعماريين على اتخاذ قرارات تصميم أكثر استنارة.على سبيل المثال ، يمكن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل المناخ المحلي لتحديد أفضل توجيه وتظليل للمبنى، وتقليل استهلاك الطاقة وتحسين جودة الهواء الداخلي. 
  • يتيح ذلك لفريق الإدارة، معالجة المشكلات البسيطة قبل أن تتصاعد إلى مشكلات حرجة. 
  • في المستقبل ستقوم الخوارزميات بتقييم البدائل بناءً على مشاريع مماثلة باستخدام “التعلم المعزز”، وهي تقنية ذكاء اصطناعي تسمح للخوارزميات بالتعلم عن طريق التجربة والخطأ. 

4- تحسين الإنتاجية:-

  • بدأت بعض الشركات في طرح آلات البناء ذاتية القيادة في السوق. 
  •  يمكنها تنفيذ المهام المتكررة بشكل أكثر فاعلية مثل الحفر واللحام وصب الخرسانة والبناء والهدم. 
  • يتم ذلك بمساعدة مبرمج بشري، حيث يمكن لهذه الآلات تخطيط موقع العمل بأبعاد دقيقة. 
  • يسمح هذا للعمال بالتركيز على وظيفة البناء الفعلية، كما يسمح لهم أيضًا بإنهاء المشروع بشكل أسرع. 

5- مسح الأراضي ورسم الخرائط:-

  • تساعد الطائرات بدون طيار والذكاء الاصطناعي للجغرافية المكانية وأنظمة المعلومات الجغرافية المكانية، على تقليل الوقت الذي يستغرقه جمع خرائط المسح التفصيلية والصور الجوية لموقع العمل. 
  • يمكن أن تسهل الطائرات بدون طيار تتبع تحديثات المشروع والمشاكل في موقع البناء، مما يوفر مزيدًا من المعلومات لتحسين عملية اتخاذ القرار بالإضافة إلى إدارة المشروع. 

6- توافر عوامل الأمن والسلامة المهنية:-

  • خلال استخدام الذكاء الاصطناعي في شكلأنظمة قفل ذكية، والتي يمكن أن تقيّد الوصول إلى مناطق معينة ما لم يكن لدى المستخدم بطاقة مفتاح أو رمز. 
  •  استخدام آلات البناء آلية الاستخدام، للمساعدة في أعمال الحفر والتحضير. 
  •  استخدام الأجهزة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي يساعد على تحليل مواقع العمل وتحديد عوامل الخطر المحتملة، وتقليل نسبة المخاطر في العمل. 

7- الحصول على نسخة افتراضية من العمل الإنشائي قبل تنفيذه:-

  • سيتم استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في العمارة؛ لإنشاء محاكاة للواقع الافتراضي للمباني. 
  •  يسمح ذلك للمهندسين المعماريين والبناة باستكشاف خيارات التصميم واتخاذ قرارات مستنيرة في بيئة افتراضية. 
  • يمكن للشركات أن تسمح للعملاء بالحصولعلى تجربة واقعية من المبنى المقترح قبل البدء في تنفيذه. 
  • تمكنهم تلك النسخة الافتراضية من تنفيذ الملاحظات في التصميم على الفور قبل إنفاق الأموال على المواد أو البناء. 

8- الصيانة الآلية للمباني والإنشاءات:-

  • يمكن لأجهزة الذكاء الاصطناعي استيعاب البيانات من المستشعرات وتحليلها لمراقبة أي أعطال قد تحدث. 
  • تجعل من السهل مراقبة أداء المبنى وكفاءته. 

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في العمارة

ثورة الذكاء الاصطناعي في عالم الهندسة والعمارة والإنشاءات [2025]

  • تعتبر البرامج التي تعتمد على نظام BIM (Building Information Modeling) من أولى تطبيقات أنظمة الذكاء الاصطناعي في العمارة، مثل برنامجNavisworks ,Revit  إذ تتعامل هذه البرامج في فن الهندسة المعمارية مع التصاميم وتعالج بياناتها كما أصبح التعامل معها على أنها مبنى واحد مترابط العناصر، وليس مجرد خطوط يتم إدخالها إلى الحاسوب. فالتصميم المدخَل يتحول إلى عناصر بمدلولات هندسية ومعمارية يمكن حصر كمياتها وحساب كلفتها والتعامل معها. 
  • أدى اتخاذ تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الهندسة المعمارية كبرامج أساسية إلى نقل الأداء الهندسي للتخصصات المختلفة والعمارة نقلة نوعية، وساهمت بتوفير الوقت والجهد بشكل كبير. بالإضافة إلى توفير إمكانية العمل الجماعي وعن بعد على التصميم الواحد ومن خلال التخصصات الهندسية المتعددة. 
  • من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في العمارة، موقع  Midjourney Dall-E-Mini، حيث تقوم هذه المواقع على إدخال وصف دقيق لكل ما يتخيله المهندسون أو المصممون للحصول على تصاميم دقيقة بحيث تقدم العديد من الاقتراحات للوصف الواحد. 

التحديات التي يواجهها الذكاء الاصطناعي في مجال العمارة والبناء:-

في حين أن هناك العديد من الفوائد لدمج الذكاء الاصطناعي في الهندسة المعمارية، إلا أن هناك أيضًا تحديات تحتاج إلى معالجة، تتمثل هذه التحديات في: 

1-  حاجة المهندسين المعماريين والبناة إلى فهم قوى الذكاء الاصطناعي وقدراته:- 

 وهذا يتطلب تعليمًا وتدريبًا في مجال الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن فهم أخلاقيات وآثار استخدام الذكاء الاصطناعي في التصميم والبناء. 

2- التكامل مع الأنظمة الموجودة:- 

قد يكون دمج خوارزميات الذكاء الاصطناعي في عمليات تصميم المباني والتشييد الحالية أمرًا صعبًا، حيث قد لا تتوافق أنظمة الذكاء الاصطناعي مع الأدوات والعمليات الحالية. 

3- خصوصية البيانات وأمنها:- 

يعد ضمان خصوصية وأمن بيانات البناء تحديًا كبيرًا عند دمج الذكاء الاصطناعي في الهندسة المعمارية، قد تحتوي بيانات البناء على معلومات حساسة حول شاغلي المبنى، ومن المهم التأكد من حماية هذه المعلومات. 

4- محدودية توافر البيانات:- 

من أجل اتخاذ قرارات مستنيرة، تتطلب خوارزميات الذكاء الاصطناعي كميات كبيرة من البيانات، ومع ذلك قد يكون جمع البيانات من أنظمة البناء مستهلكًا للوقت ومكلفًا. 

5- التنظيم والمعايير:- 

يوجد حاليًا نقص في التنظيم والمعايير الخاصة بالذكاء الاصطناعي في الهندسة المعمارية، مما قد يؤدي إلى الارتباك وعدم اليقين في الصناعة. من المهم وضع لوائح ومعايير واضحة لضمان استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وأخلاقية. 

6- التحيز في الخوارزميات:-  

تعد خوارزميات الذكاء الاصطناعي في العمارة جيدة فقط عند استخدام البيانات التي تم تدريبها عليها، وإذا كانت البيانات متحيزة، فستكون الخوارزميات كذلك. من المهم التأكد من أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي يتم تدريبها على بيانات متنوعة وتمثيلية لتجنب استمرار التحيز. 

هل من الممكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل المهندسين المعماريين؟

بالنسبة للمخاوف من ان يحل الذكاء الاصطناعى محل المعماريين، يخشى البعض من أن التكنولوجيا تتقدم بسرعة كبيرة بحيث يكون من المستحيل على المهندسين المعماريين التغلب على منحنى التعلم، أو أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل المهندسين المعماريين تمامًا، وفقًا للعلماء هذا غير مرجح إلى حد كبير. يقول باتريك هيبرون، مصمم تجربة المستخدم مع    Adobe Systems  أستاذ مساعد في جامعة نيويورك: “لا أساس من الصحة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل البشر، وخاصة كمصممين”،  يؤكد أن “للذكاء الاصطناعي نطاق محدود في طبيعة وميول التجربة البشرية”. مضيفًا أن العنصر البشري مهم، لأن ترك التصميم للآلات وحده من شأنه أن يخلق بيئة غير قابلة للتعايش، ولكن يجب على المهندسين المعماريين أن ينظروا إلى الذكاء الاصطناعي على أنه فرصة – أداة لزيادة الممارسة، واستبدال المهام. فالذكاء الاصطناعي هو نظام ميكانيكي عالي التقنية يمكنه أداء أي مهمة ولكنه دائمًا بحاجة إلى الجهود البشرية.

ختامًا: 

يبدو أن الذكاء الاصطناعي هو الاتجاه الحالي لتكنولوجيا البناء، حيث يلعب دورًا مهمًا في تكنولوجيا البناء الناشئة، وستشرف برامج البناء المستقبلية – باستخدام الذكاء الاصطناعي – على مشاريع كاملة، وتقدم المشورة للمعماريين بشأن إدارة المخاطر، والتصميم والبناء، والسلامة الهيكلية لمختلف الحلول التكنولوجية للمشاريع الكبرىوهذا يعني تحسين صناعة البناء، فإن إدراك كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤثر على صناعة البناء، أمر حتمي. 

شاركها.
اترك تعليقاً